أبو الغناء الخليجي الذي حمل الأغنية الحضرمية إلى كل بيت عربي
أبو بكر سالم بلفقيه، المغني والملحن والشاعر اليمني السعودي الراحل، يُعد واحدًا من أبرز الأصوات العربية على مدى أكثر من ستة عقود. بصوته الذهبي وطبقاته الفريدة، استطاع أن يترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأغنية العربية، خصوصًا اليمنية والخليجية.
وقد لُقّب بـ سفير الأغنية اليمنية لأنه نجح في نقل اللون الحضرمي من مدينته تريم إلى كل أنحاء الوطن العربي. كما ابتكر أسلوبًا موسيقيًا يجمع بين الأصالة الحضرمية والروح الخليجية الحديثة.
بداياته الأولى
وُلد أبو بكر سالم في 17 مارس 1939 بمدينة تريم في حضرموت، داخل عائلة عُرفت بحبها للعلم والأدب والشعر. فقد والده وهو طفل لم يتجاوز عمره ثمانية أشهر، فنشأ يتيمًا تحت رعاية والدته وجده.
تلقى تعليمه في مدارس تريم، ثم تخرّج من معهد إعداد المعلمين ليعمل مدرسًا للغة العربية ثلاث سنوات. ومع ذلك، لم يستطع مقاومة شغفه بالفن، فقد كتب أول نص غنائي وهو في السابعة عشرة بعنوان “يا ورد محلا جمالك”.
وبعد فترة قصيرة، انتقل من الأناشيد والموشحات إلى عالم الغناء الأوسع، ليفتح لنفسه طريقًا جديدًا في عالم الموسيقى.
انطلاقته الفنية
في خمسينيات القرن الماضي، كانت عدن مركزًا للحركة الفنية في اليمن، فانتقل إليها الشاب الطموح ليسجل أولى أغانيه في إذاعة عدن عام 1956. هناك برز اسمه بين كبار الفنانين، قبل أن يشد الرحال إلى بيروت عام 1958، حيث كانت نقطة التحول الكبرى في مسيرته.
في بيروت، قدّم أعمالًا خالدة مثل “24 ساعة” و “متى أنا أشوفك”، وتعاون مع أسماء بارزة مثل نجاح سلام وهيام يونس. وقد تحقق حلمه في تلك المرحلة بأن يقدّم الأغنية الحضرمية بمصاحبة الأوركسترا.
شراكته مع المحضار
ارتبط اسم أبو بكر سالم بالشاعر والملحن الكبير حسين أبو بكر المحضار. شكّلا معًا ثنائيًا فنيًا فريدًا امتد لأكثر من 35 عامًا.
ومن أبرز روائعهما المشتركة: “باشل حبك معي”، “سر حبي فيك غامض”، و “يا سهران سلام”.
بفضل هذه الأعمال، أصبح اسم الثنائي جزءًا من ذاكرة الطرب الخليجي واليمني، وساهم في ترسيخ هوية فنية متكاملة بين الكلمة واللحن والصوت.
ألقابه وأوسمته
نال أبو بكر سالم العديد من الجوائز والأوسمة خلال مسيرته الفنية. فقد حصل على جائزة الأسطوانة الذهبية من شركة إنتاج عالمية، كما منحه وطنه وسام الثقافة من جمهورية اليمن.
وبالإضافة إلى ذلك، أُطلق عليه لقب أبو الغناء الخليجي تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في تطوير الأغنية الخليجية ونشرها على نطاق عربي واسع.
الجانب الشعري
لم يكن أبو بكر سالم مطربًا فقط، بل كان شاعرًا وملحنًا في الوقت ذاته. كتب العديد من نصوصه بنفسه، كما غنّى قصائد فصيحة لشعراء كبار مثل أبي القاسم الشابي وجده أبو بكر بن شهاب.
وهكذا، أثبت قدرته الفريدة على المزج بين الشعر والموسيقى والطرب الأصيل، ليبقى صوته شاهدًا على ثقافةٍ فنيةٍ راقيةٍ تجمع بين الأصالة والتجديد.
آخر أيامه
في سنواته الأخيرة، عانى الفنان الكبير من مشاكل صحية وأجرى عملية قلب مفتوح في ألمانيا. كما تلقى العلاج في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.
ورغم المرض، ظل حاضرًا في قلوب محبيه بصوته وأغانيه، إلى أن رحل في ديسمبر 2017، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا خالدًا يروي حكاية جيلٍ كاملٍ من العطاء.