من المكلا إلى الرياض، سيرة فنان صنع بصمته في الموسيقى العربية عبر نصف قرن من الإبداع.
البدايات من حضرموت إلى عالم الموسيقى
وُلد عبد الرب إدريس في 11 يوليو 1946 بمدينة المكلا اليمنية، قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية ويحمل جنسيتها لاحقًا، بدأ شغفه بالموسيقى منذ الصغر رغم اهتمامه المبكر بكرة القدم، لكن حادثًا غيّر مسار حياته وجعله يتجه كليًا للفن.
استمع في طفولته لعمالقة الطرب العربي مثل محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش، مما ساعده على تكوين ذائقة موسيقية عالية قادته لاحقًا إلى التلحين والغناء.
من الهواية إلى الدراسة الأكاديمية
سافر عبد الرب إدريس إلى القاهرة ليدرس الموسيقى بشكل أكاديمي في المعهد العالي للموسيقى العربية، حيث حصل على البكالوريوس ثم الدكتوراه في التأليف والتوزيع الموسيقي.
هذه التجربة الأكاديمية جعلته أحد القلائل في الخليج الذين جمعوا بين العلم الموسيقي والفطرة الفنية، وهو ما انعكس على ألحانه التي تمتزج فيها الأصالة بالحداثة.
رحلة الألحان الخالدة
بدأ مسيرته الفنية من إذاعة الكويت، وقدم خلالها أغانٍ خلدها الجمهور الخليجي والعربي، من أبرزها:
“ليلة ولو باقي ليلة”، “طارت الطيارة”، “رحيل السواحل”، و“آخر مراسيله”.
تعامل مع كبار الفنانين مثل طلال مداح، محمد عبده، عبادي الجوهر، نانسي عجرم، ماجدة الرومي، آمال ماهر، وترك بصمته على جيلين من المطربين في العالم العربي.
بين الفن والتعليم والدعم للشباب
لم يكتفِ عبد الرب إدريس بالإبداع الفني فقط، بل شارك في تأسيس معاهد موسيقية وساهم في تطوير الوعي الموسيقي الخليجي، عُرف بدعمه للمواهب الشابة، مؤمنًا بأن الفن الحقيقي لا يعيش إلا بالتجديد والمغامرة.
إرث فني لا يُنسى
أكثر من خمسين عامًا من العمل المتواصل جعلت عبد الرب إدريس أحد أعمدة الموسيقى الخليجية، برغم الجوائز والتكريمات، يظل جمهوره هو التكريم الحقيقي له، إذ ما تزال أعماله تُتداول وتُعاد بصوت الأجيال الجديدة، إنه موسيقار جمع بين الأصالة والمعرفة، بين الحس الشعبي وروح الأكاديمية.
عبد الرب إدريس اليوم
رغم تجاوزه السبعين، لا يزال عبد الرب إدريس حاضرًا في المشهد الموسيقي العربي بروح الشباب وشغف البداية، يظهر بين الحين والآخر في البرامج والمهرجانات الكبرى، مشاركًا برؤيته وتجربته في تطوير الأغنية الخليجية.
جيل كامل من الفنانين السعوديين اليوم — من عبادي الجوهر إلى راشد الماجد وعبد المجيد عبد الله — يعترفون بفضله في تأسيس مدرسة لحنية سعودية متفرّدة، تمزج بين الذوق الخليجي والإحساس العربي الرفيع.
لقد أصبح عبد الرب إدريس اليوم رمزًا موسيقيًا وإنسانيًا، تجاوز صوته حدود المكان والزمان، وبقيت ألحانه نغمةً ثابتة في ذاكرة الطرب العربي.