صوته هادئ، حضوره بسيط، لكن أثره عميق في وجدان المستمعين
حتى لو لم تعرف اسمه، فربما سمعت صوته يومًا ما، في مقطع على “تيك توك”، أو في “ستوري” لصديق، أو حين شغّلت “يا من هواه” وشعرت أنّك انتقلت إلى عالمٍ آخر، عبدالرحمن محمد ليس فنانًا يبحث عن ترند، بل فنان يصنع إحساسه بصدق، ويغنّي كأنّه يحكيك من قلبه، يعمل على الهدوء، على اللحظة، على المعنى قبل اللحن.
البدايات: من «سوبر ستار» إلى الاختفاء الهادئ
بدأ عبدالرحمن محمد رحلته الفنية عام 2004 من خلال برنامج “سوبر ستار”، حيث أدهش الجمهور بصوته المختلف وأدائه الهادئ المليء بالإحساس، لكنّه انسحب بهدوء في وقتٍ مبكر. لم يختفِ لأنه فشل، بل لأنه أراد أن يجد نفسه قبل أن يعود إلى الناس، باحثًا عن معنى أعمق للفن وأصدق للتجربة.
رحلة البحث عن الذات
بعد ابتعاده عن الأضواء، سافر إلى بريطانيا ليدرس كيف يمكن للفن أن يكون تجربة متكاملة، تجمع بين الصورة والصوت والشعور في لحظة واحدة. وهناك، اكتشف أن الفن ليس مجرد غناء، بل حالة يعيشها الفنان بكل حواسه. وعندما عاد إلى السعودية، قرر أن يبدأ من جديد على طريقته الخاصة، بعيدًا عن ضوضاء الشركات والإنتاج التجاري.
البداية الجديدة من «يوتيوب»
أنشأ عبدالرحمن محمد قناته على “يوتيوب”، وبدأ يغنّي من غرفته بكاميرا بسيطة ووسائل محدودة، من دون دعمٍ إنتاجي أو إعلاني. ما قدّمه لم يكن مجرد مقاطع غنائية، بل تجربة فنية صادقة ومختلفة، تمزج بين القصيدة والموسيقى البديلة، بين العود والجيتار، وبين النغمة والسكوت، ليخلق أسلوبًا خاصًا يعبّر عنه وعن جمهوره في الوقت نفسه.
موسيقى تسكن الوجدان
منذ انطلاق قناته، صارت أغانيه تنتشر بهدوءٍ جميل بين الناس، لتصل إلى جمهورٍ واسعٍ من مختلف الأعمار. أعماله مثل “يا من هواه”، و“أصابك عشق”، و“قولوا لها”، و“بروحي فتاة” ليست مجرد أغنيات، بل مشاعر مسجّلة بصوتٍ دافئ يدخل القلب من أول نغمة. صوته أصبح مساحة للاسترخاء والتأمل، ولغة فنية تفهمها الأرواح أكثر مما تفهمها الأذن.
التكريم الذي لم يكن ينتظره
في عام 2023، حصد عبدالرحمن محمد جائزة الموسيقى من الجوائز الثقافية السعودية، كإشادة بمسيرته المختلفة وأسلوبه الفريد في تقديم الفن. ومع ذلك، لم يكن بحاجةٍ إلى جائزة لتؤكد مكانته، فالجمهور منحه تقديره منذ زمن، لأنه ببساطة جعل الناس “تُنصت” في زمنٍ يسمع فيه الجميع دون أن يستمع أحد.
صوته… التجربة التي تلامس القلب
عبدالرحمن محمد اليوم ليس مجرد مغنٍ، بل حالة فنية قائمة بذاتها، صوته يعبّر عن الهدوء وسط الضجيج، وعن الصدق وسط الزيف، وعن الفن الذي لا يحتاج ترند ليبقى. فهو الفنان الذي اختار أن يصنع أثره لا بضجيج النجاح السريع، بل بصوتٍ يشبه الصمت حين يتحوّل إلى موسيقى.