الآلة: من أداة مادية إلى امتداد للروح
حين يتعامل الموسيقي مع آلته ككائن حي، تتحول العلاقة بينهما من تمرينٍ وتقنية إلى حوارٍ وجداني. هكذا تبدو علاقة عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا بآلتيهما؛ كلاهما لا يعزف فقط، بل يوقظ نغمة تسكن داخله منذ زمن.
عبادي الجوهر، الملقب بـ “أخطبوط العود”، جعل من عوده صديقًا ورفيقًا ومرآةً لصوته الداخلي. يقول عنه إنه “صديقه الأقرب”، وهي عبارة تختصر رحلة طويلة من التماهي بين الإنسان والآلة، عزفه لا يقوم على البراعة وحدها، بل على حسٍّ عاطفي عميق يجعل الريشة تنطق بما يعجز عنه اللسان، ومن هنا تميّزت بصمته بما يمكن وصفه بـ “الحزن النبيل” الذي يسكن نغماته، ويمنح موسيقاه صدقًا يلامس القلب مباشرة.
أما كارلوس سانتانا، العازف اللاتيني الأشهر، فقد جعل من غيتاره وسيلة للتعبير عن فكرة السلام والتقارب الإنساني،بالنسبة له، الغيتار ليس مجرد آلة كهربائية، بل وسيلة روحية تتجاوز اللغات والثقافات.
صوته الفريد الناتج عن استخدامه لمؤثرات مثل الـ Overdrive وWah Pedal خلق هوية موسيقية خاصة، تجعل عزفه أقرب إلى الغناء أو التنهد، وكأن الغيتار يتحدث بلغات العالم جميعها.
المنهج الموسيقي: التقاء الإتقان والارتجال
رغم اختلاف الجغرافيا والأسلوب، فإن عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا يلتقيان في فلسفة واحدة: أن الإحساس أهم من السرعة، وأن النغمة الصادقة أقوى من أي استعراض.
في عزف عبادي، تذوب التقنية في المشاعر. يجمع بين عمق المقامات العربية وجرأة الانتقال بينها، فيمنح كل لحن بعدًا قصصيًا يروي حكاية، أما لحظات الارتجال في حفلاته، فهي ليست مجرد مساحة لإظهار المهارة، بل امتداد للأغنية نفسها، حيث يتحول العود إلى صوتٍ يتفاعل مع النص والجمهور في الوقت ذاته.
أما سانتانا، فينتمي إلى مدرسة الارتجال الإبداعي التي تجعل من كل أداء تجربة جديدة، عزفه المنفرد رحلة في العاطفة، لا في السرعة، يبنيها تدريجيًا بنغمات تتصاعد وتخفت كأنها حوار بين الضوء والظل. يستخدم المودات الموسيقية مثل Dorian وAeolian ليصنع نغمة لا تشبه أحدًا، تجمع بين حرارة اللاتيني وروح البلوز وجرأة الروك.
النغم كجسر بين الثقافات وبصمة خالدة
يجتمع عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا في فكرة واحدة: أن الموسيقى الحقيقية لا تُقاس بعدد النوتات، بل بما تتركه في القلب.
عبادي الجوهر أعاد رسم صورة العود في الموسيقى الخليجية والعربية، فمزج التراث بالحداثة، وحافظ على الأصالة دون أن يتوقف عن التجديد، ملهمًا جيلًا كاملاً من العازفين الذين رأوا فيه نموذجًا للتوازن بين الجذور والطموح.
أما سانتانا، فقد غيّر وجه موسيقى الروك بإدخال الإيقاعات اللاتينية إليها، ففتح بابًا جديدًا جعل الجمهور الغربي يكتشف جمال الموسيقى اللاتينية بروح جديدة، أكثر دفئًا وإنسانية.
وفي نهاية المطاف، كلاهما جعل آلته تتحدث باسم الإنسان قبل الفنان، عبادي يغني على وتر العود كما يغني القلب في لحظة صدق، وسانتانا يعزف كما لو كان يترجم النور إلى صوت.
كلاهما تجاوز حدود المكان واللغة، ليصنع موسيقى تُسمع بالقلب قبل الأذن، وتبقى خالدة لأنها تنتمي إلى الإنسان أولاً، وإلى الفن دائمًا.