عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا: حوار العود والغيتار كجسر بين الثقافات

رحلة بين العود والغيتار تكشف كيف تحوّل الصوت إلى لغة إنسانية تتجاوز الحدود، حيث يلتقي عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا في شغفٍ واحد: أن تتحدث الآلة بلسان الروح.
لينكدإن
فيسبوك
تويتر
تيليجرام
واتساب

شارك:

الآلة: من أداة مادية إلى امتداد للروح

حين يتعامل الموسيقي مع آلته ككائن حي، تتحول العلاقة بينهما من تمرينٍ وتقنية إلى حوارٍ وجداني. هكذا تبدو علاقة عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا بآلتيهما؛ كلاهما لا يعزف فقط، بل يوقظ نغمة تسكن داخله منذ زمن.

عبادي الجوهر، الملقب بـ “أخطبوط العود”، جعل من عوده صديقًا ورفيقًا ومرآةً لصوته الداخلي. يقول عنه إنه “صديقه الأقرب”، وهي عبارة تختصر رحلة طويلة من التماهي بين الإنسان والآلة، عزفه لا يقوم على البراعة وحدها، بل على حسٍّ عاطفي عميق يجعل الريشة تنطق بما يعجز عنه اللسان، ومن هنا تميّزت بصمته بما يمكن وصفه بـ “الحزن النبيل” الذي يسكن نغماته، ويمنح موسيقاه صدقًا يلامس القلب مباشرة.

أما كارلوس سانتانا، العازف اللاتيني الأشهر، فقد جعل من غيتاره وسيلة للتعبير عن فكرة السلام والتقارب الإنساني،بالنسبة له، الغيتار ليس مجرد آلة كهربائية، بل وسيلة روحية تتجاوز اللغات والثقافات.

 صوته الفريد الناتج عن استخدامه لمؤثرات مثل الـ Overdrive وWah Pedal خلق هوية موسيقية خاصة، تجعل عزفه أقرب إلى الغناء أو التنهد، وكأن الغيتار يتحدث بلغات العالم جميعها.

المنهج الموسيقي: التقاء الإتقان والارتجال

رغم اختلاف الجغرافيا والأسلوب، فإن عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا يلتقيان في فلسفة واحدة: أن الإحساس أهم من السرعة، وأن النغمة الصادقة أقوى من أي استعراض.

في عزف عبادي، تذوب التقنية في المشاعر. يجمع بين عمق المقامات العربية وجرأة الانتقال بينها، فيمنح كل لحن بعدًا قصصيًا يروي حكاية، أما لحظات الارتجال في حفلاته، فهي ليست مجرد مساحة لإظهار المهارة، بل امتداد للأغنية نفسها، حيث يتحول العود إلى صوتٍ يتفاعل مع النص والجمهور في الوقت ذاته.

أما سانتانا، فينتمي إلى مدرسة الارتجال الإبداعي التي تجعل من كل أداء تجربة جديدة، عزفه المنفرد رحلة في العاطفة، لا في السرعة، يبنيها تدريجيًا بنغمات تتصاعد وتخفت كأنها حوار بين الضوء والظل. يستخدم المودات الموسيقية مثل Dorian وAeolian ليصنع نغمة لا تشبه أحدًا، تجمع بين حرارة اللاتيني وروح البلوز وجرأة الروك.

النغم كجسر بين الثقافات وبصمة خالدة

يجتمع عبادي الجوهر وكارلوس سانتانا في فكرة واحدة: أن الموسيقى الحقيقية لا تُقاس بعدد النوتات، بل بما تتركه في القلب.

عبادي الجوهر أعاد رسم صورة العود في الموسيقى الخليجية والعربية، فمزج التراث بالحداثة، وحافظ على الأصالة دون أن يتوقف عن التجديد، ملهمًا جيلًا كاملاً من العازفين الذين رأوا فيه نموذجًا للتوازن بين الجذور والطموح.

أما سانتانا، فقد غيّر وجه موسيقى الروك بإدخال الإيقاعات اللاتينية إليها، ففتح بابًا جديدًا جعل الجمهور الغربي يكتشف جمال الموسيقى اللاتينية بروح جديدة، أكثر دفئًا وإنسانية.

وفي نهاية المطاف، كلاهما جعل آلته تتحدث باسم الإنسان قبل الفنان، عبادي يغني على وتر العود كما يغني القلب في لحظة صدق، وسانتانا يعزف كما لو كان يترجم النور إلى صوت. 

كلاهما تجاوز حدود المكان واللغة، ليصنع موسيقى تُسمع بالقلب قبل الأذن، وتبقى خالدة لأنها تنتمي إلى الإنسان أولاً، وإلى الفن دائمًا.

اقرأ أيضاً

من بعد مزح ولعب.. قصة أغنية خلدها الزمن

تُعد أغنية “من بعد مزح ولعب” من أبرز الأغنيات التي وُلدت من قلب التراث الحجازي الأصيل، بكلمات الشاعرة ثريا قابل، وألحان وأداء الفنان الكبير فوزي محسون في ستينيات القرن الماضي.

أغنية جمعت بين دفء الكلمة وصدق اللحن، لتصبح علامة فارقة في تاريخ الأغنية السعودية والعربية.

كيف وُلدت الأغنية؟

بدأت الحكاية عندما كانت الشاعرة ثريا قابل تكتب أغنية “لالا وربي” للفنان فوزي محسون، لكنها قررت لاحقًا أن تقدمها للفنان محمد عبده بعد وساطة من الأمير عبدالله الفيصل.

ولتعويض فوزي محسون، كتبت له أغنية جديدة كانت “من بعد مزح ولعب”، لتصبح لاحقًا من أهم أعماله وأشهر أغنياته على الإطلاق.

كلمات من قلب التجربة

كانت ثريا قابل تكتب قصائدها على فترات طويلة، واستغرق منها نظم “من بعد مزح ولعب” عامًا كاملًا.
استلهمت الأبيات الأولى من ذكريات طفولتها مع زوجها، وقالت فيها:

من بعد مزح ولعب
أهو صار حبك صحيح
وأصبحت مغرم عيون
وامسيت وقلبي طريح

بين الشعر والمجتمع

في ذلك الوقت، كانت ثريا قابل من القلائل اللاتي كتبن الشعر في مجتمع لا يقبل إلا “الشعراء”،
كانت جريئة في التعبير عن قضايا المرأة وحقوقها — مثل قيادة السيارة والمشاركة الاجتماعية — ولذلك كتبت تقول:
وأنا الذي كنت أهرج
والكل حولي سكوت
صرت أتلّام وأسكت
وأحسب حساب كل صوت

لحظة أمومة مؤثرة

وعندما مرض ابنها ذات يوم، جلست إلى جانبه تضع الكمادات على رأسه، وولدت من قلب اللحظة هذه الأبيات الرقيقة:

والله يا أحلى عمري
فعيوني مالك مثيل
تساوي الروح وتغلى
وتكون عنها بديل

مؤدوها وأثرها

أدى الأغنية في البداية فوزي محسون، ثم أعاد غناءها عدد من كبار الفنانين مثل طلال مداح، عبادي الجوهر، وطلال سلامة، وتوالت بعدها النسخ بصوت ماجد المهندس وعبد المجيد عبدالله وغيرهم.

لتظل “من بعد مزح ولعب” واحدة من الأغنيات التي لا تغيب عن الذاكرة، شاهدة على جمال الكلمة السعودية وصدق الإحساس الحجازي.

أثر الأغنية في الوجدان السعودي

لم تكن “من بعد مزح ولعب” مجرد أغنية عاطفية، بل مرآة لعصرٍ بدأت فيه الأغنية السعودية تتشكّل كهوية فنية ناضجة.

مزجت بين البساطة الشعبية والعمق الإنساني، فحملت مشاعر الحب والحياء والصدق التي تميز الإنسان الحجازي.

ومع مرور الزمن، أصبحت جزءًا من الذاكرة الجماعية للسعوديين، تُغنى في المجالس وتُردد في الاحتفالات، شاهدة على مرحلة ازدهار الكلمة واللحن في تاريخ الفن السعودي.

قصة أغنية «ما بين بعينك» لراشد الماجد

ليست كل الأغاني مجرد ألحان وكلمات، فبعضها يحمل بين طياته قصة واقعية تترك أثراً في الذاكرة والوجدان، وأغنية «ما بين بعينك» للفنان راشد الماجد واحدة من تلك الأعمال التي ولدت من حكاية حب صادقة اصطدمت بواقع صعب، ثم انتهت بجرح عميق جعل منها أغنية خالدة في قلوب المستمعين.

البداية: حب تحدّى رفض الأهل

الحكاية بدأت مع شاب وبنت جمعهما حب حقيقي، تقدم الشاب لخطبتها، لكن أهلها رفضوه بحجة أن مستواه التعليمي ضعيف وأن دخله المادي لا يؤهله لإعالة أسرة، رغم ذلك، تمسكت الفتاة بموقفها وأعلنت أنها لن تتزوج غيره مهما ضغطوا عليها.

الدعم.. والرهان على المستقبل

كانت الفتاة تنتمي لعائلة ميسورة، فقررت أن تمد حبيبها بالمال حتى يثبت نفسه ويصبح قادراً على إقناع أهلها، وبالفعل، أخذ الشاب المال، بدأ مشاريع صغيرة كبرت شيئاً فشيئاً، حتى صار رجل أعمال ناجح يملك استثمارات ويسافر من بلد لآخر.

التحوّل.. من وعد إلى خيبة

لكن مع النجاح، تغيّر قلب الشاب. لم يعد يهتم بالفتاة كما كان، وأصبح يتهرّب من وعوده، كلما سألته عن موعد تقدمه الرسمي لأهلها، كان يجد عذراً جديداً، وفي النهاية، جاء الرد القاسي الذي غيّر مجرى القصة:
“حنا ما عاد نصلح لبعض… وكل واحد في طريق.”

من القصة إلى الأغنية

هذا الجرح العاطفي تحوّل إلى عمل فني كبير بصوت راشد الماجد، أغنية «ما بين بعينك» حملت كلمات مليئة بالخذلان والندم، وكأنها صدى لصوت الفتاة التي أعطت من قلبها ومالها وضحّت من أجل من تحب، لكنها لم تجد سوى الغدر والنسيان.

بعض كلمات الأغنية

ما بين بعينك
على كثر ما جاك لا واحسافه
ليتني ما عطيتك
تخطي وأعذرك وأتحمل خطاياك

هذه الكلمات تجسد الألم والحسرة، وتلخّص رحلة عاطفية مليئة بالتضحيات التي انتهت بلا مقابل.

هكذا خرجت «ما بين بعينك» من رحم قصة واقعية لتصبح أكثر من مجرد أغنية؛ إنها حكاية عن الحب، الطموح، والخيانة، رواها راشد الماجد بصوته لتبقى عالقة في وجدان الجمهور.

«عطني المحبة».. الأغنية التي صنعت المنعطف الكبير لطلال مداح

من جلسة خاصة في حي الكندرة بجدة، إلى مسرح التلفزيون… «عطني المحبة» لم تكن مجرد أغنية، بل بداية مرحلة جديدة في مسيرة طلال مداح وصوت جيل كامل.

«عطني المحبة.. كل المحبة واعطيك حياتي» لم تكن مجرد جملة غنائية شجية، بل كانت لحظة فارقة في مسيرة صوت الأرض طلال مداح، فهي أول تعاون له مع الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، وأحد أهم الأعمال التي رسّخت حضوره الجماهيري عبر شاشة التلفزيون في مطلع السبعينيات.

القصة بدأت في حي الكندرة بجدة، حيث كان الفنانون الكبار جيرانًا: فوزي محسون، سراج عمر، ابتسام لطفي، وغيرهم، هناك، كان بيت فوزي محسون بمثابة ملتقى يومي يجتمع فيه طلال مداح، محمد عبده، عبادي الجوهر، وغيرهم من رموز البدايات الذهبية للأغنية السعودية.

يروي الموسيقار سامي إحسان أنه دخل يومًا على طلال فوجده في عزلة إبداعية داخل غرفة والدته يدندن بفكرة جديدة، رحب به طلال وطلب منه أن يمسك الإيقاع، وهناك ولدت نواة لحن «عطني المحبة»، وخوفًا من أن تُسرق الفكرة أو تُفرض عليه مشاركتها قبل أن تكتمل، أخفى طلال الأمر عن البقية، ليظهر لاحقًا على مسرح التلفزيون كواحدة من أهم محطاته الفنية.

ما يميز الأغنية ليس فقط كلماتها العاطفية العميقة، بل أيضًا الروح الفنية المشتركة التي جمعت أبناء ذلك الجيل، حيث تتقاطع ألحان طلال وسراج عمر وفوزي محسون في أنغام متقاربة تعكس مدرسة موسيقية متكاملة.

وبين جملة بدر بن عبدالمحسن «وأغلى الأماني.. عاشت في غربة» وصوت طلال وهو يغني: «عطني المحبة.. كل المحبة.. وأعطيك حياتي»، وُلد عمل صار أيقونة زمنية تختصر شغف السبعينيات، وتؤرخ للحظة التقاء الشاعر والملحن والمطرب في أغنية واحدة صنعت منعطفًا لا يُنسى.

بحث في الصوالين

ابدأ بكتابة كلمة للبحث…