في النصف الثاني من التسعينيات، بدأت مرحلة جديدة تمامًا، الكاسيت اللي كان يملأ سياراتنا وبيوتنا بدأ يختفي مع ظهور الإنترنت وتنزيل الأغاني رقميًا، حتى الـ CD ما صمد طويلًا، فجأة لقينا أنفسنا أمام عصر جديد: عصر الرقمنة.
القنوات الفضائية لعبت دور مهم جدًا، صارت الأغنية المصوّرة أو الحفل المباشر هي أسرع وسيلة للشهرة، بعدها، جاء اليوتيوب وانقلبت اللعبة: ما عدنا نحتاج ريموت كنترول أو انتظار برنامج محدد، كل شيء صار متاح بضغطة زر.
في هذه المرحلة طلعت أسماء جديدة: راشد الماجد، راشد الفارس، وعد، جواد العلي، عباس إبراهيم، أسيل عمران… ومعهم أصوات عربية لامعة زي أنغام، ذكرى، أصالة، يارا، ومنى أمرشة.
لكن الأهم كان دخول غناء الهامش إلى الساحة، الراب العربي بدأ يفرض نفسه: كلاش (محمد الغامدي) مع «عيال الغربية»، وقصي خضر مع «أساطير جدة»، جابوا معهم روح الهيب هوب، وحولوها إلى سلاح للاحتجاج والنقد الاجتماعي.
وفي المقابل، كان في صوت مختلف تمامًا: عبدالرحمن محمد، رجّع نصوص شعرية قديمة من المجسات والدانات الحجازية، وأعاد تلحينها بروح حديثة تمزج بين الغناء البديل والروك والهوية العربية، موسيقى رومانسية رقمية، تجمع بين التراث الحجازي والتأثيرات الشامية والتركية والمتوسطية.
هذه الحقبة ما كانت بس موسيقى، بل صناعة كاملة تتغير: من الأشرطة إلى السي دي، إلى الأغنية المنفردة على الإنترنت، من الكاسيت اللي فيه 8 أو 10 أغاني، صرنا نعيش عصر الأغنية الواحدة، اللي تنتشر على يوتيوب وساوندكلاود، وتتداولها الهواتف بلا توقف.
لكن مع كل هذا التطور، ظهرت مشكلة ضخمة: حقوق الملكية، الأغاني تُسرق وتنتشر من غير ما يرجع حق الشاعر أو الملحن أو الفنان، صناعة الغناء دخلت في أزمات، وصار كثير من الفنانين يتجهون إلى الإنتاج الذاتي بدل الاعتماد على الشركات.
الغناء العربي ما بقى محلي، من الكاسيت إلى اليوتيوب، ومن الطرب الكلاسيكي إلى الراب والأغنية البديلة.. موسيقانا تعولمت، صارت أسرع، أقرب، وأكثر تنوعًا.