البدايات الأولى للأغنية السعودية: من الفونوغراف إلى الإذاعة

رحلة بدأت بتسجيلات عابرة وانتهت بصناعة موسيقية متكاملة
لينكدإن
فيسبوك
تويتر
تيليجرام
واتساب

شارك:

البدايات الأولى للأغنية السعودية: من الفونوغراف إلى الإذاعة

تسجيلات نادرة من مكة (1906–1909)

أول تسجيلات صوتية في الحجاز ما كانت أغاني، بل أصوات الأذان، التلبيات، وتلاوات قرآنية، سجّلها الهولندي سنوك هوروخرونيه عبر الفونوغراف في مكة وجدة، مع أصوات مقرئين وزوار من إندونيسيا وزنجبار واليمن.

من الابتهالات إلى الغناء الشعبي

على الأسطوانات نفسها وُثّقت أصوات الغناء الحجازي: المجرور، الحدري، المجسّات، الصهباء المكيّة، الأهازيج النسائية وحتى أناشيد في حفلات الزواج وسكة حديد الحجاز عام 1907.

الشريف هاشم العبدلي وتسجيلاته

خلال العهد الهاشمي، سجّل الشريف هاشم العبدلي (ت.1926) أعمالًا من بينها مجسّ من شعر الملك عبدالله الأول. لاحقًا، في الخمسينيات ظهرت مغنية باسم مستعار “كوكب الحجاز” (ليلى حسين).

رواد الغناء الحجازي الأوائل

أبرز من حمل هذا التراث جيل رواة مثل: سعيد أبو خشبة، حسن جاوة، عبدالرحمن الأبلاتين، حسن لبني، ثم تلامذتهم مثل محمود حلواني ومحمد علي سندي، بعضهم ارتحل إلى إسطنبول أو مصر لدراسة الموسيقى وتسجيل الأعمال.

من مصر والبحرين إلى الأسطوانات السعودية

من منتصف الخمسينات بدأ فنانو الأحساء والرياض يسافرون إلى البحرين والكويت للتسجيل. ومع نهاية الخمسينات ظهرت شركات أسطوانات سعودية: الأسود فون، نجدي فون، التلفون، وسجّل عندها أسماء لامعة مثل: شادي القصيم، شادي الرياض، فتى حائل، فهد بن سعيد، عبدالرحمن الهبة، عبدالعزيز شحاته وغيرهم.

إذاعات أهلية قبل الرسمية

قبل إذاعة الرياض (1964)، كان السعوديون يستمعون لإذاعات أهلية مثل إذاعة طامي في الرياض (عبدالله الطامي)، وإذاعة الدمام (عبدالله الشعلان)، هذه المحطات بثّت الأغاني الشعبية الجديدة رغم منعها من الإذاعات الرسمية.

من الفونوغراف إلى سبوتيفاي

قد يبدو غريبًا أن بداية الأغنية السعودية كانت على أسطوانات شمع تُدار يدويًا في مكة قبل أكثر من 100 سنة، أصوات المجرور والمجسّات اللي كانت تُسجَّل في الأفراح أو على سكة الحجاز، هي نفسها البذرة اللي صارت اليوم “بلاي ليست” تسمعها بضغطة زر.

اللي كان يومًا تسجيل سري عبر الفونوغراف صار اليوم متاحًا على كل المنصات الرقمية، الرسالة البسيطة؟ الفن دايمًا يلاقي طريقه، مهما تغيّرت التقنية أو الزمن

اقرأ أيضاً

من بعد مزح ولعب.. قصة أغنية خلدها الزمن

تُعد أغنية “من بعد مزح ولعب” من أبرز الأغنيات التي وُلدت من قلب التراث الحجازي الأصيل، بكلمات الشاعرة ثريا قابل، وألحان وأداء الفنان الكبير فوزي محسون في ستينيات القرن الماضي.

أغنية جمعت بين دفء الكلمة وصدق اللحن، لتصبح علامة فارقة في تاريخ الأغنية السعودية والعربية.

كيف وُلدت الأغنية؟

بدأت الحكاية عندما كانت الشاعرة ثريا قابل تكتب أغنية “لالا وربي” للفنان فوزي محسون، لكنها قررت لاحقًا أن تقدمها للفنان محمد عبده بعد وساطة من الأمير عبدالله الفيصل.

ولتعويض فوزي محسون، كتبت له أغنية جديدة كانت “من بعد مزح ولعب”، لتصبح لاحقًا من أهم أعماله وأشهر أغنياته على الإطلاق.

كلمات من قلب التجربة

كانت ثريا قابل تكتب قصائدها على فترات طويلة، واستغرق منها نظم “من بعد مزح ولعب” عامًا كاملًا.
استلهمت الأبيات الأولى من ذكريات طفولتها مع زوجها، وقالت فيها:

من بعد مزح ولعب
أهو صار حبك صحيح
وأصبحت مغرم عيون
وامسيت وقلبي طريح

بين الشعر والمجتمع

في ذلك الوقت، كانت ثريا قابل من القلائل اللاتي كتبن الشعر في مجتمع لا يقبل إلا “الشعراء”،
كانت جريئة في التعبير عن قضايا المرأة وحقوقها — مثل قيادة السيارة والمشاركة الاجتماعية — ولذلك كتبت تقول:
وأنا الذي كنت أهرج
والكل حولي سكوت
صرت أتلّام وأسكت
وأحسب حساب كل صوت

لحظة أمومة مؤثرة

وعندما مرض ابنها ذات يوم، جلست إلى جانبه تضع الكمادات على رأسه، وولدت من قلب اللحظة هذه الأبيات الرقيقة:

والله يا أحلى عمري
فعيوني مالك مثيل
تساوي الروح وتغلى
وتكون عنها بديل

مؤدوها وأثرها

أدى الأغنية في البداية فوزي محسون، ثم أعاد غناءها عدد من كبار الفنانين مثل طلال مداح، عبادي الجوهر، وطلال سلامة، وتوالت بعدها النسخ بصوت ماجد المهندس وعبد المجيد عبدالله وغيرهم.

لتظل “من بعد مزح ولعب” واحدة من الأغنيات التي لا تغيب عن الذاكرة، شاهدة على جمال الكلمة السعودية وصدق الإحساس الحجازي.

أثر الأغنية في الوجدان السعودي

لم تكن “من بعد مزح ولعب” مجرد أغنية عاطفية، بل مرآة لعصرٍ بدأت فيه الأغنية السعودية تتشكّل كهوية فنية ناضجة.

مزجت بين البساطة الشعبية والعمق الإنساني، فحملت مشاعر الحب والحياء والصدق التي تميز الإنسان الحجازي.

ومع مرور الزمن، أصبحت جزءًا من الذاكرة الجماعية للسعوديين، تُغنى في المجالس وتُردد في الاحتفالات، شاهدة على مرحلة ازدهار الكلمة واللحن في تاريخ الفن السعودي.

قصة أغنية «ما بين بعينك» لراشد الماجد

ليست كل الأغاني مجرد ألحان وكلمات، فبعضها يحمل بين طياته قصة واقعية تترك أثراً في الذاكرة والوجدان، وأغنية «ما بين بعينك» للفنان راشد الماجد واحدة من تلك الأعمال التي ولدت من حكاية حب صادقة اصطدمت بواقع صعب، ثم انتهت بجرح عميق جعل منها أغنية خالدة في قلوب المستمعين.

البداية: حب تحدّى رفض الأهل

الحكاية بدأت مع شاب وبنت جمعهما حب حقيقي، تقدم الشاب لخطبتها، لكن أهلها رفضوه بحجة أن مستواه التعليمي ضعيف وأن دخله المادي لا يؤهله لإعالة أسرة، رغم ذلك، تمسكت الفتاة بموقفها وأعلنت أنها لن تتزوج غيره مهما ضغطوا عليها.

الدعم.. والرهان على المستقبل

كانت الفتاة تنتمي لعائلة ميسورة، فقررت أن تمد حبيبها بالمال حتى يثبت نفسه ويصبح قادراً على إقناع أهلها، وبالفعل، أخذ الشاب المال، بدأ مشاريع صغيرة كبرت شيئاً فشيئاً، حتى صار رجل أعمال ناجح يملك استثمارات ويسافر من بلد لآخر.

التحوّل.. من وعد إلى خيبة

لكن مع النجاح، تغيّر قلب الشاب. لم يعد يهتم بالفتاة كما كان، وأصبح يتهرّب من وعوده، كلما سألته عن موعد تقدمه الرسمي لأهلها، كان يجد عذراً جديداً، وفي النهاية، جاء الرد القاسي الذي غيّر مجرى القصة:
“حنا ما عاد نصلح لبعض… وكل واحد في طريق.”

من القصة إلى الأغنية

هذا الجرح العاطفي تحوّل إلى عمل فني كبير بصوت راشد الماجد، أغنية «ما بين بعينك» حملت كلمات مليئة بالخذلان والندم، وكأنها صدى لصوت الفتاة التي أعطت من قلبها ومالها وضحّت من أجل من تحب، لكنها لم تجد سوى الغدر والنسيان.

بعض كلمات الأغنية

ما بين بعينك
على كثر ما جاك لا واحسافه
ليتني ما عطيتك
تخطي وأعذرك وأتحمل خطاياك

هذه الكلمات تجسد الألم والحسرة، وتلخّص رحلة عاطفية مليئة بالتضحيات التي انتهت بلا مقابل.

هكذا خرجت «ما بين بعينك» من رحم قصة واقعية لتصبح أكثر من مجرد أغنية؛ إنها حكاية عن الحب، الطموح، والخيانة، رواها راشد الماجد بصوته لتبقى عالقة في وجدان الجمهور.

«عطني المحبة».. الأغنية التي صنعت المنعطف الكبير لطلال مداح

من جلسة خاصة في حي الكندرة بجدة، إلى مسرح التلفزيون… «عطني المحبة» لم تكن مجرد أغنية، بل بداية مرحلة جديدة في مسيرة طلال مداح وصوت جيل كامل.

«عطني المحبة.. كل المحبة واعطيك حياتي» لم تكن مجرد جملة غنائية شجية، بل كانت لحظة فارقة في مسيرة صوت الأرض طلال مداح، فهي أول تعاون له مع الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، وأحد أهم الأعمال التي رسّخت حضوره الجماهيري عبر شاشة التلفزيون في مطلع السبعينيات.

القصة بدأت في حي الكندرة بجدة، حيث كان الفنانون الكبار جيرانًا: فوزي محسون، سراج عمر، ابتسام لطفي، وغيرهم، هناك، كان بيت فوزي محسون بمثابة ملتقى يومي يجتمع فيه طلال مداح، محمد عبده، عبادي الجوهر، وغيرهم من رموز البدايات الذهبية للأغنية السعودية.

يروي الموسيقار سامي إحسان أنه دخل يومًا على طلال فوجده في عزلة إبداعية داخل غرفة والدته يدندن بفكرة جديدة، رحب به طلال وطلب منه أن يمسك الإيقاع، وهناك ولدت نواة لحن «عطني المحبة»، وخوفًا من أن تُسرق الفكرة أو تُفرض عليه مشاركتها قبل أن تكتمل، أخفى طلال الأمر عن البقية، ليظهر لاحقًا على مسرح التلفزيون كواحدة من أهم محطاته الفنية.

ما يميز الأغنية ليس فقط كلماتها العاطفية العميقة، بل أيضًا الروح الفنية المشتركة التي جمعت أبناء ذلك الجيل، حيث تتقاطع ألحان طلال وسراج عمر وفوزي محسون في أنغام متقاربة تعكس مدرسة موسيقية متكاملة.

وبين جملة بدر بن عبدالمحسن «وأغلى الأماني.. عاشت في غربة» وصوت طلال وهو يغني: «عطني المحبة.. كل المحبة.. وأعطيك حياتي»، وُلد عمل صار أيقونة زمنية تختصر شغف السبعينيات، وتؤرخ للحظة التقاء الشاعر والملحن والمطرب في أغنية واحدة صنعت منعطفًا لا يُنسى.

بحث في الصوالين

ابدأ بكتابة كلمة للبحث…