صالون غنائي

رحلة عبر تاريخ الموسيقى السعودية وأصواتها الخالدة

من بعد مزح ولعب.. قصة أغنية خلدها الزمن

تُعد أغنية “من بعد مزح ولعب” من أبرز الأغنيات التي وُلدت من قلب التراث الحجازي الأصيل، بكلمات الشاعرة ثريا قابل، وألحان وأداء الفنان الكبير فوزي محسون في ستينيات القرن الماضي.

أغنية جمعت بين دفء الكلمة وصدق اللحن، لتصبح علامة فارقة في تاريخ الأغنية السعودية والعربية.

كيف وُلدت الأغنية؟

بدأت الحكاية عندما كانت الشاعرة ثريا قابل تكتب أغنية “لالا وربي” للفنان فوزي محسون، لكنها قررت لاحقًا أن تقدمها للفنان محمد عبده بعد وساطة من الأمير عبدالله الفيصل.

ولتعويض فوزي محسون، كتبت له أغنية جديدة كانت “من بعد مزح ولعب”، لتصبح لاحقًا من أهم أعماله وأشهر أغنياته على الإطلاق.

كلمات من قلب التجربة

كانت ثريا قابل تكتب قصائدها على فترات طويلة، واستغرق منها نظم “من بعد مزح ولعب” عامًا كاملًا.
استلهمت الأبيات الأولى من ذكريات طفولتها مع زوجها، وقالت فيها:

من بعد مزح ولعب
أهو صار حبك صحيح
وأصبحت مغرم عيون
وامسيت وقلبي طريح

بين الشعر والمجتمع

في ذلك الوقت، كانت ثريا قابل من القلائل اللاتي كتبن الشعر في مجتمع لا يقبل إلا “الشعراء”،
كانت جريئة في التعبير عن قضايا المرأة وحقوقها — مثل قيادة السيارة والمشاركة الاجتماعية — ولذلك كتبت تقول:
وأنا الذي كنت أهرج
والكل حولي سكوت
صرت أتلّام وأسكت
وأحسب حساب كل صوت

لحظة أمومة مؤثرة

وعندما مرض ابنها ذات يوم، جلست إلى جانبه تضع الكمادات على رأسه، وولدت من قلب اللحظة هذه الأبيات الرقيقة:

والله يا أحلى عمري
فعيوني مالك مثيل
تساوي الروح وتغلى
وتكون عنها بديل

مؤدوها وأثرها

أدى الأغنية في البداية فوزي محسون، ثم أعاد غناءها عدد من كبار الفنانين مثل طلال مداح، عبادي الجوهر، وطلال سلامة، وتوالت بعدها النسخ بصوت ماجد المهندس وعبد المجيد عبدالله وغيرهم.

لتظل “من بعد مزح ولعب” واحدة من الأغنيات التي لا تغيب عن الذاكرة، شاهدة على جمال الكلمة السعودية وصدق الإحساس الحجازي.

أثر الأغنية في الوجدان السعودي

لم تكن “من بعد مزح ولعب” مجرد أغنية عاطفية، بل مرآة لعصرٍ بدأت فيه الأغنية السعودية تتشكّل كهوية فنية ناضجة.

مزجت بين البساطة الشعبية والعمق الإنساني، فحملت مشاعر الحب والحياء والصدق التي تميز الإنسان الحجازي.

ومع مرور الزمن، أصبحت جزءًا من الذاكرة الجماعية للسعوديين، تُغنى في المجالس وتُردد في الاحتفالات، شاهدة على مرحلة ازدهار الكلمة واللحن في تاريخ الفن السعودي.

قصة أغنية «ما بين بعينك» لراشد الماجد

ليست كل الأغاني مجرد ألحان وكلمات، فبعضها يحمل بين طياته قصة واقعية تترك أثراً في الذاكرة والوجدان، وأغنية «ما بين بعينك» للفنان راشد الماجد واحدة من تلك الأعمال التي ولدت من حكاية حب صادقة اصطدمت بواقع صعب، ثم انتهت بجرح عميق جعل منها أغنية خالدة في قلوب المستمعين.

البداية: حب تحدّى رفض الأهل

الحكاية بدأت مع شاب وبنت جمعهما حب حقيقي، تقدم الشاب لخطبتها، لكن أهلها رفضوه بحجة أن مستواه التعليمي ضعيف وأن دخله المادي لا يؤهله لإعالة أسرة، رغم ذلك، تمسكت الفتاة بموقفها وأعلنت أنها لن تتزوج غيره مهما ضغطوا عليها.

الدعم.. والرهان على المستقبل

كانت الفتاة تنتمي لعائلة ميسورة، فقررت أن تمد حبيبها بالمال حتى يثبت نفسه ويصبح قادراً على إقناع أهلها، وبالفعل، أخذ الشاب المال، بدأ مشاريع صغيرة كبرت شيئاً فشيئاً، حتى صار رجل أعمال ناجح يملك استثمارات ويسافر من بلد لآخر.

التحوّل.. من وعد إلى خيبة

لكن مع النجاح، تغيّر قلب الشاب. لم يعد يهتم بالفتاة كما كان، وأصبح يتهرّب من وعوده، كلما سألته عن موعد تقدمه الرسمي لأهلها، كان يجد عذراً جديداً، وفي النهاية، جاء الرد القاسي الذي غيّر مجرى القصة:
“حنا ما عاد نصلح لبعض… وكل واحد في طريق.”

من القصة إلى الأغنية

هذا الجرح العاطفي تحوّل إلى عمل فني كبير بصوت راشد الماجد، أغنية «ما بين بعينك» حملت كلمات مليئة بالخذلان والندم، وكأنها صدى لصوت الفتاة التي أعطت من قلبها ومالها وضحّت من أجل من تحب، لكنها لم تجد سوى الغدر والنسيان.

بعض كلمات الأغنية

ما بين بعينك
على كثر ما جاك لا واحسافه
ليتني ما عطيتك
تخطي وأعذرك وأتحمل خطاياك

هذه الكلمات تجسد الألم والحسرة، وتلخّص رحلة عاطفية مليئة بالتضحيات التي انتهت بلا مقابل.

هكذا خرجت «ما بين بعينك» من رحم قصة واقعية لتصبح أكثر من مجرد أغنية؛ إنها حكاية عن الحب، الطموح، والخيانة، رواها راشد الماجد بصوته لتبقى عالقة في وجدان الجمهور.

«عطني المحبة».. الأغنية التي صنعت المنعطف الكبير لطلال مداح

من جلسة خاصة في حي الكندرة بجدة، إلى مسرح التلفزيون… «عطني المحبة» لم تكن مجرد أغنية، بل بداية مرحلة جديدة في مسيرة طلال مداح وصوت جيل كامل.

«عطني المحبة.. كل المحبة واعطيك حياتي» لم تكن مجرد جملة غنائية شجية، بل كانت لحظة فارقة في مسيرة صوت الأرض طلال مداح، فهي أول تعاون له مع الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، وأحد أهم الأعمال التي رسّخت حضوره الجماهيري عبر شاشة التلفزيون في مطلع السبعينيات.

القصة بدأت في حي الكندرة بجدة، حيث كان الفنانون الكبار جيرانًا: فوزي محسون، سراج عمر، ابتسام لطفي، وغيرهم، هناك، كان بيت فوزي محسون بمثابة ملتقى يومي يجتمع فيه طلال مداح، محمد عبده، عبادي الجوهر، وغيرهم من رموز البدايات الذهبية للأغنية السعودية.

يروي الموسيقار سامي إحسان أنه دخل يومًا على طلال فوجده في عزلة إبداعية داخل غرفة والدته يدندن بفكرة جديدة، رحب به طلال وطلب منه أن يمسك الإيقاع، وهناك ولدت نواة لحن «عطني المحبة»، وخوفًا من أن تُسرق الفكرة أو تُفرض عليه مشاركتها قبل أن تكتمل، أخفى طلال الأمر عن البقية، ليظهر لاحقًا على مسرح التلفزيون كواحدة من أهم محطاته الفنية.

ما يميز الأغنية ليس فقط كلماتها العاطفية العميقة، بل أيضًا الروح الفنية المشتركة التي جمعت أبناء ذلك الجيل، حيث تتقاطع ألحان طلال وسراج عمر وفوزي محسون في أنغام متقاربة تعكس مدرسة موسيقية متكاملة.

وبين جملة بدر بن عبدالمحسن «وأغلى الأماني.. عاشت في غربة» وصوت طلال وهو يغني: «عطني المحبة.. كل المحبة.. وأعطيك حياتي»، وُلد عمل صار أيقونة زمنية تختصر شغف السبعينيات، وتؤرخ للحظة التقاء الشاعر والملحن والمطرب في أغنية واحدة صنعت منعطفًا لا يُنسى.

أبو بكر سالم يحوّل موقف طريف في القاهرة لأغنية «عادك إلا صغير» الخالدة

وراء كل أغنية في حياتنا قصة حقيقية، وأغنية «عادك إلا صغير» ما طلعت من ورق شاعر أو جلسة استديو، بل بدأت من موقف عابر في القاهرة بالسبعينات.

القصة من ويمبي

كان أصيل أبو بكر، ابن الفنان الكبير أبو بكر سالم، عمره وقتها حوالي تسع سنوات، شافه الشاعر فائق عبدالجليل مع صديق له واقف قدام مطعم ويمبي الشهير في شارع جامعة الدول، أصيل كان يتكلم مع بنت صغيرة وكأنه “خبير في الحب”، الموقف كان مضحك، وحكوه لوالده.

نصيحة تحولت إلى أغنية

أبو بكر سالم ما غضب ولا زعل، بل ابتسم وقال له جملة بسيطة: «عادك إلا صغير»، العبارة اللي بدت كـ نصيحة أبوية صارت شرارة أغنية كاملة عن التسرع في الحب.

من كلمة إلى خلود

من هنا انكتبت كلمات:
“عادك إلا صغير.. بدري عليك الهوى”
وغناها أبو بكر سالم بصوته وإحساسه، فتحولت من موقف عائلي إلى أغنية يتغنى بها الكبار والصغار لليوم.

ليه تهمنا اليوم؟

رسالة الأغنية ما زالت توصل: مو كل شيء في الحب لازم ييجي بسرعة. بعض التجارب تحتاج وقت، نضج، وأحيانًا شوية وجع عشان نفهم معناها.

قصة أغنية “سلِّم علي بعينك” لمحمد عبده .. اعتذار يذوب في نظرة

من بين الأغاني التي لامست مشاعر الناس بصِدقها ودفئها، تبرز أغنية “سلِّم علي بعينك” التي غنّاها الفنان الكبير محمد عبده، وكتب كلماتها الشاعر سعود سالم.

أغنية ليست كغيرها، لأنها وُلدت من لحظة إنسانية مؤثرة جمعت بين ابنٍ ووالدته، وبين الزعل والحنين.

بداية القصة: زعل الأم

يحكي الشاعر سعود سالم أن والدته — رحمها الله — كانت غاضبة منه في أحد الأيام، حاول أن يزورها ليصلح ما بينهما، لكنه فوجئ بأنها لم تسلّم عليه عند دخوله، رغم أنه مدّ يده للسلام.

كانت تلك اللحظة مؤلمة بالنسبة له، لكنها أيقظت داخله إحساسًا قويًا بالندم والرغبة في مصالحتها.

الاعتذار بطريقته الخاصة

بعد الموقف، قرر سعود سالم أن يعتذر بطريقته الأقرب إلى قلبه — بالكلمة.

كتب قصيدة تمزج بين الحنين، والرجاء، والاعتذار، وجعل منها رسالة صادقة إلى والدته، علّها تصل إليها من خلال الأغنية، عندما تعجز الكلمات العادية عن التعبير.

كلمات نابعة من القلب

جاءت كلمات الأغنية بسيطة لكنها عميقة الإحساس، تعبّر عن علاقة الأم والإبن ودفء العلاقة بينهما:

سلِّم علي بعينك إن كان بخلت إيدينا
كل اللي بيني وبينك زعلة تمر وسلام

فيها طلب صغير من أمٍ غاضبة، ورجاء ابنٍ يتمنى أن تصالحه بنظرة واحدة فقط.
وفيها أيضًا حنين كبير حين يقول:

تدري إني أحبك ولا أرضى إلا برضاك
يوم ترضى يا كل عمري، والله ما أقدر على ذا الخصام

من القصيدة إلى الأغنية

بعد أن كتب سعود سالم القصيدة، لحنها الموسيقار الراحل محمد شفيق، أحد أبرز الملحنين في الساحة الخليجية.

ثم قدّمها الفنان الكبير محمد عبده بصوته العذب وإحساسه العالي، لتصبح الأغنية واحدة من أجمل الأغاني العاطفية ذات البعد الإنساني في مسيرته.

النجاح والتأثير

لاقَت “سلِّم علي بعينك” نجاحًا واسعًا منذ صدورها، لأنها لامست قلوب المستمعين بصدقها وعفويتها، لم تكن مجرد أغنية حب، بل أغنية أمومة وحنان، صادرة من قلب ابن يعتذر لأمه بطريقته الخاصة.

ما وراء اللحن

الأغنية ليست فقط حكاية لحظة غضب واعتذار، بل رسالة دافئة عن برّ الأم والتقدير الكبير لمكانتها.
من خلالها، قدّم سعود سالم درسًا إنسانيًا بليغًا:
تصلب

تحولات الموسيقى السعودية في عصر الإنترنت واليوتيوب

في النصف الثاني من التسعينيات، بدأت مرحلة جديدة تمامًا، الكاسيت اللي كان يملأ سياراتنا وبيوتنا بدأ يختفي مع ظهور الإنترنت وتنزيل الأغاني رقميًا، حتى الـ CD ما صمد طويلًا، فجأة لقينا أنفسنا أمام عصر جديد: عصر الرقمنة.

القنوات الفضائية لعبت دور مهم جدًا، صارت الأغنية المصوّرة أو الحفل المباشر هي أسرع وسيلة للشهرة، بعدها، جاء اليوتيوب وانقلبت اللعبة: ما عدنا نحتاج ريموت كنترول أو انتظار برنامج محدد، كل شيء صار متاح بضغطة زر.

في هذه المرحلة طلعت أسماء جديدة: راشد الماجد، راشد الفارس، وعد، جواد العلي، عباس إبراهيم، أسيل عمران… ومعهم أصوات عربية لامعة زي أنغام، ذكرى، أصالة، يارا، ومنى أمرشة.

لكن الأهم كان دخول غناء الهامش إلى الساحة، الراب العربي بدأ يفرض نفسه: كلاش (محمد الغامدي) مع «عيال الغربية»، وقصي خضر مع «أساطير جدة»، جابوا معهم روح الهيب هوب، وحولوها إلى سلاح للاحتجاج والنقد الاجتماعي.

وفي المقابل، كان في صوت مختلف تمامًا: عبدالرحمن محمد، رجّع نصوص شعرية قديمة من المجسات والدانات الحجازية، وأعاد تلحينها بروح حديثة تمزج بين الغناء البديل والروك والهوية العربية، موسيقى رومانسية رقمية، تجمع بين التراث الحجازي والتأثيرات الشامية والتركية والمتوسطية.

هذه الحقبة ما كانت بس موسيقى، بل صناعة كاملة تتغير: من الأشرطة إلى السي دي، إلى الأغنية المنفردة على الإنترنت، من الكاسيت اللي فيه 8 أو 10 أغاني، صرنا نعيش عصر الأغنية الواحدة، اللي تنتشر على يوتيوب وساوندكلاود، وتتداولها الهواتف بلا توقف.

لكن مع كل هذا التطور، ظهرت مشكلة ضخمة: حقوق الملكية، الأغاني تُسرق وتنتشر من غير ما يرجع حق الشاعر أو الملحن أو الفنان، صناعة الغناء دخلت في أزمات، وصار كثير من الفنانين يتجهون إلى الإنتاج الذاتي بدل الاعتماد على الشركات.

الغناء العربي ما بقى محلي، من الكاسيت إلى اليوتيوب، ومن الطرب الكلاسيكي إلى الراب والأغنية البديلة.. موسيقانا تعولمت، صارت أسرع، أقرب، وأكثر تنوعًا.

بحث في الصوالين

ابدأ بكتابة كلمة للبحث…