تُعد الفنون الشعبية السعودية سجلاً حياً لذاكرة الوطن، فهي المرآة التي تعكس قيم المجتمع، وتاريخ القبائل، وروح الانتماء التي توحد أبناء المملكة رغم اتساع جغرافيتها وتنوع بيئاتها.
تتجلى هذه الفنون في ألوان متعددة من الرقصات والأهازيج والإيقاعات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمناسبات الاجتماعية والوطنية.
ومن بين هذه الفنون تتصدر العرضة والخطوة والدحة بوصفها أبرز أشكال التعبير عن الهوية الثقافية السعودية، إذ تجمع بين الشعر والحركة والإيقاع في مشهد يجسد الأصالة والاعتزاز بالموروث.
العرضة السعودية: إيقاع الوحدة ورمز الوطنية
تُعد العرضة السعودية الفن الشعبي الرسمي للمملكة، وتمثل رمزاً للوحدة الوطنية والشجاعة والفرح، نشأت العرضة في المنطقة الوسطى، وتحديداً في نجد، وكانت في بداياتها رقصة حرب يؤديها الرجال قبيل المعارك لرفع المعنويات واستعراض القوة.
تشير المصادر التاريخية إلى أن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود كان يؤديها مع جنده في أواخر القرن الثاني عشر الهجري قبل المعارك الكبرى، وهو ما منحها طابعاً بطولياً خاصاً.
تحولت العرضة لاحقاً من طقس حربي إلى فن احتفالي يجسد الولاء والانتماء، وبرزت بقوة خلال مرحلة توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز آل سعود.
واليوم، تؤدى العرضة في المناسبات الوطنية والرسمية الكبرى، ويشارك فيها خادم الحرمين الشريفين وكبار الشخصيات، تأكيداً على رمزيتها الوطنية.
يتخذ الأداء فيها شكلاً جماعياً، حيث يصطف الرجال في صفوف متقابلة أو صف واحد، حاملين السيوف والبنادق، بينما تُقرع الطبول الكبيرة والصغيرة بإيقاع متناغم ترافقه القصائد الحماسية التي تُلقى بصوت قوي وإنشاد جماعي، أما الزي المستخدم فيتكون من الثوب والدقلة والبشت والعقال، تعبيراً عن الفخر والأصالة.
وقد أدرجت منظمة اليونسكو العرضة السعودية في قائمة التراث العالمي غير المادي عام 2015 تقديراً لقيمتها الثقافية الفريدة.
الخطوة الجنوبية: فن الانسجام والإيقاع الهادئ
تمثل الخطوة الجنوبية، أو ما يُعرف بالخطوة العسيرية، أحد أهم الفنون الشعبية في منطقة عسير ومناطق الجنوب عموماً.
نشأت الخطوة في أوساط القبائل العسيرية القديمة كرقصة حرب تُؤدى لاستعراض القوة والمهارة قبل القتال، ثم تحولت إلى فن تعبيري يحتفى به في المناسبات السعيدة والأعراس والتجمعات الاجتماعية.
يعتمد أداء الخطوة على انسجام الحركة والإيقاع في آنٍ واحد، إذ يصطف الرجال في صفين متقابلين أو صف واحد، ويتقدمون خطوة إلى الأمام ثم يتراجعون خطوة إلى الخلف في حركة جماعية متناسقة، وهو ما أكسبها اسمها المميز.
تُؤدى الخطوة على إيقاعات هادئة نسبياً تعتمد على الضرب بالأقدام على الأرض، ويصاحبها شعر غنائي متنوع الموضوعات يتناول الفخر، والحب، والوصف، والمديح.
تتميز الخطوة العسيرية بتعبيرها عن روح الجماعة والتماسك الاجتماعي، فهي لا تقتصر على الجانب الفني، بل تحمل بعداً اجتماعياً يعكس تآلف القبائل وتعاونها.
ورغم بساطة حركاتها، فإنها تتطلب دقة عالية في التوقيت والانسجام بين الإيقاع والصوت والحركة، مما يجعلها من أكثر الفنون السعودية أناقة في أدائها وبنيتها الإيقاعية.
الدحة الشمالية: صوت القبيلة وصدى الصحراء
تُعد الدحة من أشهر الفنون الشعبية في شمال المملكة العربية السعودية، وتمثل رمزاً للفخر والبطولة في ثقافة القبائل الشمالية.
أصلها يعود إلى أهازيج الحرب التي كانت تُؤدى لتحفيز المقاتلين وبث الحماسة قبل المعارك، ثم أصبحت وسيلة للاحتفال بالنصر وتخليد بطولات الفرسان.
وتُروى بعض القصص الشعبية التي تربطها بمعركة ذي قار التاريخية التي انتصر فيها العرب على الفرس قبل الإسلام، حين استخدم المقاتلون أصواتهم الجماعية لبث الرعب في صفوف الأعداء.
يبدأ أداء الدحة باصطفاف الرجال في صف أو صفين متقابلين، ويقف الشاعر في المنتصف ليلقي أبياتاً شعرية حماسية تتغنى بالشجاعة والكرم. يردد الصفان البيت